الاحتلال الحنين رزق : شهادة عن الحرب النفسية الإسرائيلية ضد سكان قطاع غزة
الاحتلال الحنين رزق : شهادة عن الحرب النفسية الإسرائيلية ضد سكان قطاع غزة
تُعَدّ الحرب النفسية من أكثر الأدوات فاعلية في النزاعات المسلحة، إذ تهدف إلى إضعاف الروح المعنوية للعدو والتأثير على قراراته دون الحاجة إلى مواجهة عسكرية مباشرة. ويتقن الاحتلال الإسرائيلي توظيف هذه الأداة ضد سكان غزة، مستخدمًا أساليب تبدو أحيانًا وكأنها مستوحاة من كتب علم النفس الحربي، وأحيانًا أخرى وكأنها سيناريو لفيلم يجمع بين الإثارة والعبثية.
ما يجري في غزة ليس مجرد قصف جوي أو اجتياح بري، بل هو حرب طويلة تستهدف الأعصاب والوعي. تمتد هذه الحرب عبر أساليب متعددة، منها التضليل الإعلامي، ونشر الرعب، والتلاعب النفسي بالسكان، بل وتشمل أيضًا التدخل المباشر في تفاصيل حياتهم اليومية بأساليب تفوق في سوداويتها أشدّ السيناريوهات الديستوبية قتامة.
أولًا : الحرب النفسية – المفهوم والطبيعة والخصائص
يُعرَّف مفهوم الحرب النفسية بأنها “الاستخدام المخطَّط لوسائل التأثير النفسي بهدف إضعاف العدو وتغيير سلوكه بطريقة تخدم الأهداف العسكرية والسياسية”.
يشير فرانز فانون في كتابه معذَّبو الأرض إلى أن الاستعمار لا يقتصر على الاحتلال العسكري فحسب، بل يمتد ليشمل الهيمنة الفكرية والنفسية، حيث يُفرض على المستعمَرين رؤية أنفسهم من خلال منظور المستعمِر، بل وأحيانًا يُقنعهم بأنّه قد “انتشلهم من الظلام”. وهذه العملية ليست مجرد لحظة عابرة، بل هي استراتيجية طويلة الأمد تهدف إلى ترسيخ الخضوع وضمان استمراره.
في السياق الفلسطيني، تُنفَّذ الحرب النفسية عبر استراتيجيات متعددة، تتراوح بين التهديد المباشر، وبث الشائعات، وإثارة عدم اليقين، والتدخل في تفاصيل الحياة اليومية.
١- “قتل الرغبة في المقاومة” كجوهر استراتيجيات الحرب النفسية:
“إن الهدف ليس فقط القضاء على المقاومة الفلسطينية، بل القضاء على الرغبة في المقاومة ذاتها، لأن الانتصار الحقيقي لا يتحقق بإخماد الفعل المقاوم، وإنما بقتل الدافع النفسي والفكري الذي يولّد المقاومة.”
تعكس هذه العبارة جوهر الاستراتيجية الإسرائيلية، التي لا تستهدف فقط الفعل المقاوم، بل تسعى إلى إعادة هندسة الوعي الفلسطيني بحيث يصبح مجرد التفكير في المقاومة مكلفًا إلى حدّ لا يُحتمل. تهدف هذه الاستراتيجية إلى خلق بيئة تمنع أي شخص من التعاطف مع المقاومة أو دعمها، حتى لو كان ذلك في سياق إنساني أو اجتماعي. بذلك، يصبح أي ارتباط بالمقاومة سببًا للعقاب الجماعي الذي يمتد ليشمل الأهل، الأصدقاء، والمحيط الاجتماعي الأوسع.
استراتيجية العقاب الجماعي: أداة لضرب الوعي الجمعي
تُعد سياسة العقاب الجماعي واحدة من أكثر الأدوات فاعلية التي استخدمتها إسرائيل لإعادة تشكيل الوعي الجمعي للفلسطينيين في قطاع غزة. إذ لم تقتصر العقوبات على الأفراد الذين شاركوا في عملية 7 أكتوبر، بل امتدت إلى أسرهم وأقاربهم وأصدقائهم، رغم أن القانون الدولي يحظر استخدام أساليب العقاب الجماعي، أي معاقبة الأفراد على أفعال غيرهم.
على سبيل المثال، لم تكتفِ إسرائيل باستهداف من تصفهم بـ”المخربين”، بل استهدفت ذويهم حتى بعد مقتلهم، في محاولة لترسيخ مفهوم “العقوبة الممتدة”، حيث يتم تحميل الأفراد مسؤولية أفعال غيرهم بهدف إرهاب المجتمع بأسره.
إحدى أبرز الحالات التي تعكس هذه الاستراتيجية وقعت عندما قام شخص بإسعاف مقاوم مصاب إلى المستشفى. لم يُقتل هذا الشخص مباشرة، بل بدلاً من ذلك، تم استهداف عائلته بالكامل كرسالة ردع واضحة: “أي محاولة لمساعدة المقاومة – حتى على مستوى إنقاذ حياة إنسان – ستُقابل بعقاب جماعي غير متوقع.”
الهدف من العقاب الجماعي: جعل المقاومة “مكلفة جدًا”
تعتمد هذه الاستراتيجية على مبدأ بسيط: “إذا لم يكن بإمكاننا القضاء على المقاومة، فسنُحوّلها إلى عبء يفوق قدرة الناس على تحمّله.” عندما يدرك الأفراد أن أي شكل من أشكال التضامن قد يؤدي إلى تدمير عائلاتهم بالكامل، فإنهم سيترددون في القيام بأي تصرف يمكن اعتباره دعمًا للمقاومة.
وبذلك، لا تسعى إسرائيل إلى القضاء على المقاومين فحسب، بل إلى جعل فكرة المقاومة نفسها مرعبة وغير مرغوبة. هذه حرب نفسية لا تستهدف فقط المقاوم، بل أيضًا كل من قد يفكر في دعمه، حتى من منطلق إنساني، مما يؤدي إلى خلق فجوة بين المقاومة وحاضنتها الشعبية، وهو ما يُعدّ أحد أهم أهداف الحرب النفسية الإسرائيلية في غزة.
٢-التناقض في التحذيرات والقصف: "لا تثق بشيء، لا تشك في شيء!"
إحدى أكثر الاستراتيجيات التي يستخدمها الاحتلال الإسرائيلي هي خلق بيئة غير مستقرة نفسيًا من خلال التناقضات المستمرة. فالتحذيرات الأمنية، التي يُفترض أن تكون وسيلة لحماية المدنيين، تتحول إلى أداة لإرباكهم:
- راعي الأغنام الذي تم تحذيره!
تم الاتصال براعي غنم وإبلاغه بضرورة مغادرة المنطقة فورًا لأن القصف وشيك. قد يبدو الأمر وكأنه لمسة من “الإنسانية”، لكن في الوقت نفسه، يتم قصف عمارة سكنية مكتظة بالمدنيين دون أي تحذير. هذا التناقض ليس عشوائيًا، بل متعمد، ويهدف إلى خلق شعور بالتضليل والإرباك، مما يجعل السكان غير قادرين على التنبؤ بالخطر أو اتخاذ قرارات آمنة.
الرسالة الخفية في هذا الأسلوب تكمن في تقويض الثقة الفردية وتعزيز الشعور بالعجز، حيث يتم إرسال رسالة ضمنية مفادها: “مفاجأة! كل افتراضاتك ومعتقداتك خاطئة! لا تثق بنفسك، ضع ثقتك فينا!”
يهدف هذا النهج إلى إضعاف ثقة الأفراد في قدراتهم الشخصية على التفكير والتحليل، مما يجعلهم أكثر عرضة للارتباك والتبعية، وغير قادرين على التمييز بين المعلومات الحقيقية والمضللة. بهذه الطريقة، يصبح الأشخاص في حالة من الشك الدائم، مما يسهل على الجهات المسيطرة توجيههم والتحكم في استجاباتهم وفقًا للأهداف المراد تحقيقها.
٣-التدخل في الحياة اليومية: “الأخ الكبير يراقبك”
المخابرات الإسرائيلية تراقب كل حركة، متصرّفة وكأنها “الإله الذي يرى كل شيء”، في سيناريوهات تبدو وكأنها مقتبسة من رواية 1984.
• رجل يسهر في أرضه لحمايتها من اللصوص؟
“ألو، ماذا تفعل هناك؟ عد إلى بيتك، لا نريدك أن تتحول إلى هدف!”
وعندما يعود بعد أيام، يُقال له: “أها! أنت هنا مجددًا؟ يبدو أنك مصر على استهدافك!”
هذا النهج لا يهدف فقط إلى المراقبة، بل إلى خلق حالة من paranoia (جنون الارتياب)، حيث يصبح أي تصرف عادي محفوفًا بالمخاطر، مما يدفع الأفراد إلى الشك في كل خطوة يقومون بها، حتى في أبسط تفاصيل حياتهم اليومية. نتيجة لذلك، ينقلب الشعور الطبيعي بالأمان إلى حالة من القلق المستمر، حيث يتم تحليل كل تصرف على أنه قد يكون محفوفًا بالعواقب، مما يساهم في إضعاف الروح المعنوية وخلق بيئة من الخوف والتردد.
يعتمد الاحتلال الإسرائيلي على تقنيات متقدمة لمراقبة السكان بشكل مستمر، تشمل الطائرات المسيرة (الكوادكابتر)، والتنصت على الهواتف، والمراقبة البصرية عبر الأقمار الصناعية وطائرات الاستطلاع. يؤدي هذا المستوى من المراقبة إلى خلق حالة دائمة من الإرباك العقلي والعاطفي، حيث يصبح الخوف شعورًا ملازمًا للحياة اليومية، مما يؤثر على قدرة الأفراد على التصرف بحرية أو الشعور بالأمان. هذه البيئة المشحونة بالتوتر تجعل من الصعب على الأشخاص اتخاذ قرارات مستقلة أو حتى التواصل بحرية دون القلق من المراقبة.
أمثلة على هذا الأسلوب:
- استخدام الطائرات المسيرة (الكوادكابتر)
تحلّق هذه الطائرات على ارتفاع منخفض فوق المناطق السكنية ليلًا، محدثة ضوضاء مزعجة تُشبه أصوات صراخ نساء أو أطفال، أو حتى إطلاق نيران، مما يخلق شعورًا مستمرًا بالضغط النفسي والإجهاد العقلي، ويمنع السكان من الإحساس بالراحة أو الأمان. هذا النوع من التهديد المستمر يعزز حالة الخوف ويجعل الراحة النفسية غير ممكنة، حيث يتوقع الجميع وجود خطر دائم.
- إجبار السكان على طرد النازحين
في إحدى المرات، استقبلت عائلة فلسطينية نازحين فرّوا من مناطق أكثر تعرضًا للقصف، لكن المخابرات الإسرائيلية تدخلت، مطالبةً العائلة بإخلائهم بحجة أنهم “يُثيرون حركة لا داعي لها”. هذا التدخل لا يهدف فقط إلى السيطرة، بل أيضًا إلى تفكيك التضامن المجتمعي وخلق عزلة بين الأفراد. من خلال فرض هذا النوع من الضغوط على السكان، تسعى إسرائيل إلى تقويض الروابط الاجتماعية وزرع الفتنة بين الأفراد، مما يضعف مقاومتهم الجماعية.
٤- استغلال الأزمات الاقتصادية: “هل تريد السجائر؟ تعاون معنا!”
إذا كنت تعتقد أن الحصار الاقتصادي مجرد وسيلة سياسية، فأنت لم ترَ جانبه “الإبداعي”! لا تكتفي إسرائيل بمنع دخول المواد الأساسية، بل تحوّلها إلى أدوات للمساومة والابتزاز:
- “أرسل لنا معلومات، وسنرسل لك علبة سجائر!”
لأن الأهم أثناء الحرب ليس الطعام، ولا الدواء، بل التأكد من أن المدخنين يمكنهم البقاء مدمنين تحت الاحتلال!
هذا النوع من الاستغلال يعكس مدى تعمق الحرب النفسية التي تمارسها إسرائيل، حيث تُستخدم حتى الأزمات الاقتصادية كسلاح لتفكيك المجتمع وزرع التفرقة. بدلًا من تلبية الاحتياجات الأساسية، يتم تحويلها إلى وسيلة ضغط للتحكم في الأفراد، مما يعزز التبعية والخوف.
بهذه الأساليب، يصبح الحصار أكثر من مجرد قيود اقتصادية؛ إنه وسيلة لإخضاع الأفراد، والتحكم في خياراتهم، وإضعاف إرادتهم عبر استغلال حاجاتهم اليومية البسيطة.
٥- الدعاية الإعلامية المضللة: “الاحتلال بدور الشيخ أحا!”
تعد سياسة تفريد الخصوم واحدة من استراتيجيات الحرب النفسية، حيث تسعى القوى المهيمنة إلى فصل المقاومة عن حاضنتها الشعبية، وعزلها نفسيًا واجتماعيًا عن مجتمعها، مما يسهل محاربتها وإضعافها دون الحاجة إلى مواجهة مباشرة مع السكان. هذه الاستراتيجية ليست وليدة اللحظة، بل تم استخدامها تاريخيًا في العديد من السياقات الاستعمارية.
في السياق الإسرائيلي، يتم استخدام الدعاية الإعلامية المضللة لتعزيز هذا التفرد. من خلال ترويج صور وأفكار تهدف إلى تشويه صورة المقاومة وقطع الروابط بينها وبين المدنيين، تسعى إسرائيل إلى تقديم نفسها كـ “الشيخ أحا” الذي يحاول إعادة النظام والأمان، بينما تصوّر المقاومة كـ “المفسدة” التي تهدد استقرار المجتمع. هذه العمليات الإعلامية تهدف إلى استمالة الرأي العام المحلي والدولي، وتقليل دعم حاضنة المقاومة الاجتماعية.
على سبيل المثال، استخدمها البريطانيون على الشعب المصري بأن المشكلة ليست معهم، بل مع جمال عبد الناصر. الهدف من هذه الرسائل كان واضحًا: خلق فجوة بين القيادة والمجتمع مما يؤدي في النهاية إلى إضعاف الإرادة الجماعية للنضال. هذه الاستراتيجية تعتمد على تقويض الوحدة الوطنية وتفكيك التماسك الداخلي، بحيث يصبح النضال ضد الاحتلال أو الاستعمار مسألة مرتبطة بشخصيات معينة أو مصالح محددة، بدلاً من كونه قضية جماعية تعكس إرادة شعبية واسعة.
توظيف سياسة الدعاية الإعلامية المضللة في غزة
تعتمد إسرائيل على تكثيف الدعاية الإعلامية المضللة عبر وسائل متعددة، أبرزها إسقاط المنشورات الورقية، البث الإعلامي، وحملات التأثير الرقمي. الرسائل التي يتم ترويجها عادة ما تحمل عبارات مثل:
• “مشكلتنا ليست معكم، بل مع حماس”
• “انبذوا المقاومة، وسنحميكم”
• “المقاومة سبب معاناتكم، وليس الاحتلال”
هذه الرسائل لا تهدف فقط إلى إرهاب السكان وجعلهم يخشون أي ارتباط بالمقاومة، بل تهدف أيضًا إلى خلق عزلة اجتماعية للمقاومين، بحيث يُنظر إليهم داخل مجتمعهم كعائق أمام الاستقرار، وليس كمدافعين عن الحقوق. من خلال هذه الرسائل، تحاول إسرائيل تقويض الروابط الاجتماعية التي تدعم المقاومة، وخلق انقسام داخلي داخل المجتمع الفلسطيني.
العزل الاجتماعي كسلاح نفسي
عزل المقاومة عن بيئتها الاجتماعية لا يُستخدم فقط للترهيب، بل يُستخدم أيضًا كوسيلة للتفكيك المجتمعي، بحيث تصبح المقاومة فعلًا مستهجنًا حتى من داخل المجتمع نفسه. كلما تكررت هذه الرسائل، زاد الضغط النفسي على السكان، وبدأت بذور الشك تتغلغل في الوعي الجمعي، مما يؤدي إلى إضعاف التضامن الداخلي، وتفكيك الروابط الاجتماعية التي تمثل أساسًا حيويًا لاستمرار المقاومة.
الهدف من هذا الأسلوب هو إضعاف القوى الحاضنة للمقاومة، بحيث تصبح الفكرة الجماعية للمقاومة أقل جذبًا لأفراد المجتمع الذين يشعرون بالخوف من عواقب التضامن معها.
بهذه الطريقة، تسعى إسرائيل إلى تحقيق نصر نفسي قبل أن يكون عسكريًا، حيث لا تحتاج إلى القضاء على المقاومة بالقوة فقط، بل يمكنها إخمادها من الداخل، عبر زرع الخوف، العزلة، والشك داخل النسيج الاجتماعي الفلسطيني.
في بعض الأحيان، يبدو الاحتلال وكأنه مصلح اجتماعي، حيث يقوم بإلقاء منشورات تدعو إلى “السلام والتعايش”، بينما في الخلفية، يمكن سماع صوت القصف المستمر! في إحدى المرات، تم إسقاط منشورات خلال شهر رمضان تتمنى “صيامًا مقبولًا”، وكأن القذائف ستؤجل سقوطها احترامًا لهذا الدعاء!
• “مشكلتكم ليست معنا، بل مع قياداتكم!” في محاولة لخلق الفوضى، يحاول الاحتلال إقناع الفلسطينيين بأن مشكلتهم ليست الاحتلال نفسه، بل الأشخاص الذين يعارضون الاحتلال! منطق يستحق جائزة نوبل للالتفاف على الحقائق.
هذا النوع من التلاعب لا يهدف فقط إلى إقناع الفلسطينيين بالتفكير في المقاومة كسبب رئيسي لمعاناتهم، بل يسعى إلى تحويلهم ضد قادتهم ومجتمعهم، مما يضعف وحدة الصف ويزيد من الانقسامات الداخلية.
حيث يُحوِّل المعتدي إلى وسيط سلام، والضحية إلى سبب الأزمة. هذه الاستراتيجية تستهدف قلب الحقائق وتزييف الواقع، لتجعل المعتدي يبدو كمحارب للشر بينما يتم تصوير الضحية على أنها المسبب الرئيسي للمأساة، مما يعزز حالة التشتت والارتباك داخل المجتمع المستهدف.
قوانين الدعاية الإسرائيلية وفق الحرب النفسية
تعتمد إسرائيل على قوانين نفسية متعددة في حملاتها الدعائية:
- التوحد (التقمص أو التماثل):
استخدام لغة مألوفة للسكان لجعل الدعاية تبدو وكأنها من داخل المجتمع الفلسطيني نفسه. من خلال هذه الاستراتيجية، يتم جعل الرسائل الدعائية تبدو كأنها صادرة من شخص يشترك في نفس التجربة أو الثقافة، مما يساهم في تعزيز مصداقيتها في أذهان المتلقين.
- التكرار:
إعادة نشر الرسائل التحذيرية والمعلومات المشوهة حتى تصبح “حقيقة” في أذهان المستهدفين. أبرز هذه الرسائل هي فكرة الاختباء في الأنفاق، التي تم تكرارها لدرجة أصبح نقاشها مقبولًا لدى الكثيرين، مما يساهم في تحوير الوعي الشعبي.
- الإجماع:
تقديم المعلومات على أنها رأي الأغلبية، مما يزيد من احتمالية تصديقها. عند تقديم الرسائل وكأنها تمثل رأي الجماعة أو الشارع العام، يتم تعزيز الإحساس بالضغط الاجتماعي لتبني تلك المعتقدات أو التصرفات.
- التبسيط:
اختزال المعلومات في عبارات قصيرة يسهل تذكرها. تُستخدم هذه الإستراتيجية لتقديم الرسائل بشكل مختصر وواضح، مما يسهل تذكرها وتداولها، وبالتالي يصبح من السهل التأثير على الفكر الشعبي.
- التضليل (المغالطة):
تقديم الأحداث بطريقة مشوهة تخدم الاحتلال. من خلال تحوير الحقائق أو تقديم معلومات مغلوطة، تهدف هذه الاستراتيجية إلى تشويه صورة المقاومة وتقديمها على أنها السبب الرئيسي في المعاناة، بينما يتم التستر على الجرائم والممارسات التي يقوم بها الاحتلال.
ثانيًا: التأثيرات النفسية للحرب النفسية على سكان غزة
تؤدي أساليب الحرب النفسية الإسرائيلية إلى تأثيرات نفسية عميقة على سكان غزة، ومنها:
1. الإجهاد العقلي المزمن:
العيش في بيئة لا يمكن التنبؤ بما سيحدث فيها يُسبب إنهاكًا نفسيًا دائمًا. يصبح الخوف والترقب جزءًا من الحياة اليومية، حيث يتعرض الأفراد لتأثيرات مستمرة من التهديدات، القصف، والتضليل الإعلامي، مما يؤدي إلى إجهاد عقلي متواصل.
2. تفكك النسيج الاجتماعي:
عندما يكون الجميع في حالة خوف وريبة من بعضهم البعض، يبدأ الشك في التغلغل داخل المجتمع. هذا يؤدي إلى تآكل روابط الثقة والتضامن بين الأفراد، مما يضعف النسيج الاجتماعي ويزيد من حالة العزلة الداخلية.
3. زيادة القلق والاكتئاب:
مع استمرار تحليق الطائرات المسيرة فوق الرؤوس، والتحذيرات الغامضة التي لا تُفسَّر، يتحول الضغط النفسي إلى حالة دائمة من القلق المرضي والاكتئاب. الشعور بعدم الأمان يدفع السكان إلى الانغماس في حالة نفسية من التوتر المستمر والمشاعر السلبية.
4. الإحساس باللاجدوى:
عندما يصبح من المستحيل التمييز بين الحقيقة والتضليل، يتسلل الشعور بأن أي مقاومة لا طائل منها. يساهم ذلك في خلق حالة من الإحباط والاستسلام النفسي، حيث يبدأ الأفراد في التشكيك في فاعلية نضالهم، مما يضعف من عزيمتهم ويزيد من حالة الخمول أو الانسحاب الاجتماعي.
ثالثًا: الحرب النفسية كأداة للهيمنة
الحرب النفسية الإسرائيلية ليست مجرد تكتيك، بل هي جزء من استراتيجية طويلة الأمد تهدف إلى جعل الفلسطينيين يشعرون بأنهم محاصرون عقليًا قبل أن يكونوا محاصرين ماديًا. فالاحتلال لا يحتاج دائمًا إلى الرصاص والصواريخ لإضعاف المجتمع؛ بل يستطيع تحقيق الكثير عبر رسائل نصية مبهمة، وتحذيرات غير منطقية، وطائرات مسيرة تحلق فوق الرؤوس بلا هدف سوى زرع الخوف وإرهاق العقول.
المشكلة الكبرى أن العالم يتعامل مع هذه الحرب النفسية وكأنها جزء طبيعي من المشهد، دون أي محاولة جادة للتدخل أو وضع حد لهذه السياسات. وبينما يواصل الاحتلال استخدام أساليب الإرهاب الذهني، يبقى سكان غزة في حالة دائمة من الإرباك، مترقبين الحلقة التالية من هذا المسلسل العبثي الطويل.