فروقات التنمية الاقتصادية بين ألمانيا الشرقية والغربية : تحليل تاريخي واقتصادي
فروقات التنمية الاقتصادية بين ألمانيا الشرقية والغربية : تحليل تاريخي واقتصادي
لو قمت بإعطائك دولارًا واحدًا وأعطيت شخصًا آخر عشرة دولارات، فمن المرجح أن يتمكن صاحب العشرة دولارات من القيام بالكثير أكثر مما يمكنك القيام به. لذا أنا أعتقد بأننا يجب أن نأخذ بهذا المقياس عند الحديث عن الاشتراكية بشكل عام أو الاشتراكية في القرن العشرين بشكل خاص، لأنها في الحقيقة لا تخلق من العدم، بل تظهر دائمًا كصورة تتشابه في كثير من الأمور مع النظام السابق وغالبًا ما تكون محملة بالكثير من أعباء ذلك النظام.
يعد الانقسام بين ألمانيا الشرقية وألمانيا الغربية مرجعًا دائمًا يستخدمه منتقدو الاشتراكية كحجة رئيسية وغالبًا ما يعتبر الأمر بديهيًا: من الطبيعي أن يختار المرء العيش في الغرب. لكنني اليوم سأطرح منظورًا مختلفًا حول هذا النقاش المتداول. يمكن القول على الأقل إن هذا الشعور يستدعي التساؤل: لماذا كانت ألمانيا الشرقية، وبالمثل العديد من الدول الاشتراكية الأخرى، فقيرة إلى هذا الحد مقارنة بالغرب؟
قبل أن نبدأ، أود أن أوضح أنني أشير إلى جمهورية ألمانيا الديمقراطية هنا كدولة اشتراكية، لكنني في الواقع أقدّم نقدًا لما إذا كانت تعتبر فعلاً دولة اشتراكية. السبب هو أنه لم تكن هناك ثورة حقيقية في ألمانيا الشرقية منذ البداية، وكان نمو هذه الأنظمة الاقتصادية إلى حد كبير نتيجة للهيمنة السوفيتية. الطريقة التي يُؤطَّر بها هذا الجدل مضللة جدًا، لأنها توحي بأن هناك انقسامًا بسيطًا وعادلاً بنسبة 50/50 بين الجانبين. في الواقع، كان الوضع أكثر غموضًا وتعقيدًا.
إذا قسمنا إنجلترا، على سبيل المثال، إلى شمال وجنوب بناءً على الأسس التاريخية، فسيتبين أن التنافس يجري على أرضيات لعبة مختلفة تمامًا منذ البداية. لماذا؟ لأن جنوب إنجلترا يتمتع بثروة أكبر وتكنولوجيا أكثر تقدمًا وسوف يكون الجميع راغبًا بالانتقال إلى الجنوب لسبب بسيط: لندن، المدينة العالمية. حتى إذا قسمنا إنجلترا حسب عدد السكان، فإن الجنوب سيظل أغنى بكثير. تصمم البلاد نفسها حول مواقع جغرافية محددة لهذا السبب. هذا الأمر ينطبق تقريبًا على كل دولة، فبعض الأجزاء تكون أكثر ثراء من غيرها. لهذا السبب تقضي الدول عقودًا في بناء تخصصات تعتمد على جغرافيتها. علينا أن ندرك هذا عند النظر إلى ألمانيا، فالانقسام لم يكن إلى نصفين متساويين بل كان الانقسام أقرب إلى ثلاثة أجزاء حيث كانت أسوأ تقسيمات البلاد تبقي على الجزء الأكبر من الدولة.
أما عن وضع ألمانيا الشرقية في ذلك الوقت، فقد عانت المناطق الشرقية من أشد أنواع الدمار. تم تدمير مدن مثل دريسدن، لايبزيغ، داخاو، ماغديبورغ، كيمنتز، هاله، و بالطبع برلين، بعد الحرب العالمية الثانية، وكانت مراكزها الحضرية في حالة يرثى لها. إضافة إلى ذلك، فقدت المناطق المحيطة الكثير بسبب الغزو الروسي الذي أعقب الحرب. علاوة على ذلك، كانت ألمانيا الشرقية دائمًا تعتبر تاريخيًا أفقر وأقل تصنيعا من الغرب. وإذا نظرت إلى كثافة السكان في ألمانيا عام 1900 و دققت على المنطقة الشرقية، ستلاحظ أنها لم تشهد نفس مستوى النشاط ولا الازدحام كما هو الحال في الغرب. على الرغم من أن ألمانيا الشرقية تشكل ثلث مساحة ألمانيا الحديثة، فقد كان عدد سكانها يبلغ 17 مليون نسمة في المتوسط على مدى 40 عامًا، في حين كان متوسط السكان في ألمانيا الغربية 58 مليون نسمة في مساحة تبلغ ضعف مساحة ألمانيا الشرقية.
على عكس بريطانيا التي يتمركز سكانها عادة حول لندن ثم ينتشرون، فإن المشهد الحضري في ألمانيا أكثر تباعدًا لأسباب تاريخية. يمكنك أن ترى من خريطة ألمانيا أن المراكز السكانية تتركز حول الجيب الغربي لدوسلدورف وكولن ودورتموند وإيسن، فيما يمكن أن نطلق عليه مجمع الراين الغربي، ومن هناك ينتشر التوزيع السكاني نحو الجنوب. هذا المجمع الذي ذكرته تعرض للقصف الشديد خلال الحرب، ولكن إلى جانب بريمن وهامبورغ، كانت هذه المناطق هي التي احتضنت الجزء الأكبر من الصناعة الألمانية لعقود. من السهل فهم هذا السبب، وهو نهر الراين، نهر واسع وطويل يمتد عبر غرب ألمانيا. ليس من قبيل الصدفة أن مجمع الراين الغربي يقع بجواره مباشرة. أما الشرق فقد كان يمثل تاريخيًا سلة الغذاء لألمانيا، وليس مركزًا للتصنيع. وهناك الكثير في هذا الأمر يتجاوز الجانب الزراعي فقط. كما ذكرت، ليس كل المناطق الاقتصادية متساوية، وخلال 21 عامًا كان النصف الشرقي من ألمانيا يعتمد بشكل رئيسي على اقتصاد التصدير، ولذلك كان يعتمد بشكل كبير على الدعم الخارجي والداخلي من ألمانيا لتعزيز مستوى معيشته. في حين كانت الأجزاء الغربية تركز على الصناعة الثقيلة، كان الشرق يركز على الزراعة، النسيج، والصناعة الخفيفة. وخلال هذه الفترة تم إنشاء نظام من التجارة والتقاليد التي رسخت ما كانت تعتمد عليه البلاد.
وهذا يقودنا إلى التساؤل: مع من كانت تتاجر ألمانيا الشرقية في هذا العصر الجديد؟ بينما كان الغرب يتمتع بالوصول إلى الأسواق الكبيرة الحرة الممولة من قبل الولايات المتحدة في أوروبا الغربية، كانت الدول الاشتراكية تعتمد على الكوميكون، ولكنه كان في الأساس سوقًا أصغر لمعظم الدول الاشتراكية، والأهم من ذلك أنه كان لديها وصول محدود إلى دول نامية وأفقر في ذلك الوقت. ألبانيا مثال جيد على ذلك، فقد شهدت ثورتها الصناعية في الخمسينات والستينات. في عام 1945 كان 5% فقط من السكان يعرفون القراءة والكتابة، وهو معدل منخفض بشكل كارثي
كما أنكم جميعًا على دراية بأن تأثيرات النموذج الاقتصادي الذي استخدمته ألمانيا الشرقية كانت تجذب بشكل أساسي ما يسمى بالوظائف ذات المهارات المنخفضة، ولكن ليس كثيرًا للوظائف الأعلى مهارة. السبب في ذلك بسيط: إذا كنت تمتلك مهارات عالية، فمن المغري جدًا أن تغادر وتقبل الأموال التي تعرض عليك في الغرب الفاخر والمزدهر. ومن المهم أن نلاحظ أن الناس لم يهربوا فقط، بل إن الكثيرين تم شراؤهم فعليًا من قبل الجانب الأكثر ثراءً قبل عام 1961، حيث تم إصدار قروض بقيمة تصل إلى مئات الآلاف من الدولارات لأي ألماني شرقي منشق، وكان يحصل على تعويضات عن الممتلكات التي تركها وراءه بالإضافة إلى شقة مجانية عند وصوله. هذا هو السبب الذي أدى إلى هجرة العقول الهائلة من الشرق إلى الغرب، حيث غادر ما يصل إلى 10% من سكان الشرق خلال تلك الفترة.
عندما انعقد مؤتمر يالطا وتم تقسيم ألمانيا إلى أربع مناطق، كانت القوى الشرقية والغربية تحمل أفكارًا مختلفة حول ما أرادت أن تكون عليه ألمانيا. أراد الاتحاد السوفييتي أن تكون ألمانيا موحدة من جهة لأن هذا سيسمح لألمانيا بدفع التعويضات عن الخسائر المدمرة التي تكبدها الاتحاد السوفييتي، أما أمريكا فكانت تريد أن تجعل ألمانيا مركزًا للأسواق في أوروبا، حيث كانت الأموال الأمريكية التي مولت الحرب بحاجة إلى أماكن لنشر هيمنتها العالمية في السنوات التالية. انتهى الأمر بألمانيا الغربية بدفع تعويضات تصل إلى مئة مليار مارك. ومع اشتداد الحرب الباردة، أرادت أمريكا أن تصبح ألمانيا منطقة ذات تسلح كبير لتشكل تهديدًا وعائقًا أمام الاتحاد السوفييتي، الشيء الذي سوف يطلق عليه صبيان شيكاغو لاحقًا ما يعرف بالمصلحة المستنيرة، بينما كان الاتحاد السوفييتي يرغب في أن تبقى ألمانيا منزوعة السلاح لمنع الانتقامات. حتى أنهم عرضوا في إحدى اللحظات إنشاء ألمانيا موحدة ومحايدة مع انتخابات حرة بإشراف دولي، لكن الحلفاء رفضوا هذا العرض بسبب تضارب مصالحهم.
على هامش الموضوع، أود أن أشير إلى أننا عمومًا نميل إلى التفكير في الدولة الشرقية ككتلة حمراء أو كتلة شيوعية أو الكتلة السوفيتية، وبهذا فإننا نغفل أن هذه الدول كانت تحت حكم السوفييت وقادتها كانوا مجرد دمى. يمكنك قول هذا إذا أردت، ولكن يمكنك أيضًا تقديم حجة مشابهة بشأن ألمانيا الغربية وفرنسا وإيطاليا واليونان، حيث كانوا بمثابة دمى أمريكية. فرنسا مثلاً كانت مدينة لأمريكا بفضل خطة مارشال التي لم تكن مجرد مساعدة بل سمحت للولايات المتحدة بامتلاك سوق حر للإعلانات في غرب أوروبا. ولا ننسى أيضًا التلاعب بالانتخابات كما تحب أمريكا أن تفعل. قامت أمريكا بالتلاعب في الانتخابات الإيطالية عام 1948، واليابانية طوال الخمسينات والستينات، والفلبينية عام 1950، وهذه مجرد أمثلة قليلة.
كانت أمريكا تمتلك هذه القوة وامتلكت ثروات أكبر لتمنحها خلال الحرب، وكان اقتصادها هو الوحيد الذي ظل قائمًا بسبب الحرب، وفي الوقت الذي كان به الركام محيطًا بأوروبا أتاح ذلك للولايات المتحدة فرصة استغلال واستفادة كبيرة. في المقابل، فقد الاتحاد السوفييتي سدس تعداد سكانه وقرى كاملة في جميع أنحاء البلاد قد دمرت. في بيلاروسيا وحدها، تم إحراق 600 قرية مع سكانها، وهذا ليس إلا بداية لتاريخ طويل من المعاناة. في الثلاثين عامًا الماضية، عانى السوفييت من تخريب اقتصادي، مجاعات، حرب أهلية، أزمة أيتام، حيث فقد حوالي سبعة ملايين طفل والديهم أثناء الحرب الأهلية. قد يفسر هذا لماذا تكون أفلام الكرتون الروسية على موضوعات تتعلق باليتامى. إذا كانت الإحصاءات صحيحة، فقد فقدت المصانع والمناجم وجميع أنواع البنية التحتية وتحولت إلى أجزاء ضئيلة مما كانت عليه سابقًا. بالمقارنة، كانت أمريكا قد وصلت إلى ثورتها الصناعية بحلول ستينات القرن التاسع عشر، بينما لم تصل روسيا إلى ذلك إلا بحلول الحرب العالمية الثانية وبصعوبة. لذلك لم تكن بطبيعتها قادرة على إقراض الأموال بسهولة، بل كانت في حاجة إليها بنفسها. كانت هذه العوامل حاسمة في جعل ألمانيا الشرقية في وضع أسوأ من الغرب. كانت الصناعة في البداية ضعيفة، بالإضافة إلى الدمار الواسع، وافتقار الأسواق، وضرورة دفع التعويضات. كل هذه العوامل تسهم، سواء أعجبنا هذا أم لا، في مجتمع أفقر بكثير.
وليس الأمر متعلقًا بالاشتراكية فقط؛ فالغالبية العظمى من الاقتصادات الاشتراكية تنمو بسرعة أكبر وتحسن من جودة الحياة العامة عند أخذ الظروف الاقتصادية النسبية في الاعتبار. كما يتضح في حالة ألمانيا الشرقية، فقد نمت بسرعة أكبر رغم كل الصعوبات التي واجهتها بزيادة تصل إلى 600% مقارنة بألمانيا الغربية التي نمت بمعدل 400%. والسؤال المزعج الآخر الذي يتساءل عنه الجميع هو: ماذا عن الجدار؟ القصة المعتادة كما نعرفها جميعًا هي أن ألمانيا الشرقية كانت سيئة، والناس كانوا يفضلون الغرب، والجميع كانوا يحاولون القفز إلى ألمانيا الغربية. صحيح أن هجرة الأدمغة كانت جزءًا من المشكلة، ولكن الطريقة التي تُروى بها هذه القصة غالبًا ما تكون مبالغا فيها أو مضللة. من المثير للاهتمام قراءة وجهة نظر الشرق حول هذا الموضوع.
أولاً، هذه ليست الطريقة الطبيعية التي تجد بها عاصمتها. لن يجد أحد الأمر عادلاً إذا كانت عاصمة أمريكا موجودة في المكسيك، وتشارك مع دولة المكسيك. هذه ليست الطريقة التي تُدار بها الأمور. لذلك، تقسيم مدينة العاصمة إلى قسمين داخل بلد معادي ليس في مصلحة الجانب الأضعف بأي حال. يمكن رؤية ذلك عند النظر كيف غيرت ألمانيا الغربية عملتها في عام 1948، مما أربك تدفق الأمور بسبب وجود منطقتين نقديتين جنبًا إلى جنب تتداخلان مع بعضهما البعض. كانت برلين الغربية تسيطر عليها القوى العسكرية، بل وكان لديها أيضًا وصول إلى قنوات وبرامج تدريب نووية. في ذلك الوقت، كان واضحًا جدًا أن ألمانيا الغربية المدعومة من الناتو كانت تنوي في النهاية ضم ألمانيا الشرقية. كما أرسلت ألمانيا الشرقية العديد من التعليمات والطلبات الدبلوماسية تطالب بوقف برنامج الأسلحة على مدار السنوات الثلاثة السابقة، لكن جميع هذه الطلبات قوبلت بالرفض.
كان من الأفضل معالجة الهيكل الجغرافي غير التقليدي بين الدولتين الجديدتين بدلاً من تأجيج التوترات من خلال إنتاج المزيد والمزيد من القنابل الذرية. ومن الجدير بالذكر أن الاتحاد السوفييتي أنفق نسبة أكبر من إنتاجه على البحث والتطوير مقارنة بالعديد من الدول الغربية الأخرى. لكن الاتحاد السوفييتي استخدم الجزء الأكبر من هذه النفقات لدعم سباق التسلح المتزايد. والحقيقة أن السوفييت اضطروا لذلك، وليس لأنهم أرادوا ذلك.
على أي حال، يمكننا أيضًا الحديث عن التجسس الذي كان يقوم به الغرب؛ حيث تم إنشاء أكثر من 90 منظمة تجسس داخل المدينة، بالإضافة إلى البث الإذاعي وأعمال التخريب. كانت هناك شبكات مصممة لتفكيك الأمة بشكل كبير، وقد وردت تقارير عن تهديدات بتفجير البنية التحتية لألمانيا الشرقية من قبل عملاء غربيين، بالإضافة إلى العديد من عمليات قتل الحراس. أعتقد أنه من الواضح مما رأيناه سابقًا أن هناك سياقًا أوسع بكثير للموقف الذي يُعرض به السد التقليدي عن "الشرق السيء والغرب الجيد". فقد كان للجدار علاقة بالحرب والتجسس والتخريب بقدر ما كان له علاقة بهجرة العقول.
بالنظر إلى هذه الظروف، ما حدث في نهاية المطاف. السؤال حول أين تفضل أن تعيش؟ يأتي مع نوع من الجهل والفخر المطمئن. إذا طرحت السؤال حول إيرلندا الشمالية وجمهورية أيرلندا، يصبح الجواب أكثر وضوحًا ويكشف عن الصعوبة والحساسية في مثل هذا السؤال. نحن نطبق هذا المفهوم على أي دولة، لأن الحقيقة هي أن كل دولة ترغب في أن تتوحد في النهاية. لا توجد دولة ترغب في أن تكون منقسمة.
بعض المعلومات التي حصلت عليها في هذه المقالة تأتي من كتاب "الشعب والدولة" لماري فيل بروكس، حيث تقدم تعليقًا واقعيًا جدًا حول هذا الموضوع. منذ سقوط الشيوعية كتب تقريبًا كل شيء عن الدول الاشتراكية بطريقة سلبية، مشيرًا إلى حكومات الحزب الواحد، والديكتاتورية، ونقص الغذاء. ولا يسعى أي مؤرخ غربي إلى كتابة التاريخ الاجتماعي للمجتمع الغربي فقط من منظور سياسات النظام والمقاومة الشعبية، ولكن عندما يتعلق الأمر بألمانيا الشرقية، فإن هذا هو النهج الذي تم اتباعه في كتابة تاريخها الاجتماعي. لا يمكن أن نتجاهل أن هناك رسالة ضمنية تظهر من خلال كل هذا، وهي أنه بغض النظر عن كيفية عرض القصة، وبغض النظر عن سوء الأوضاع والتي كانت سيئة بالفعل في بعض الأحيان، هناك دائمًا نوع من التحيز النفسي يظهر عندما نتحدث عن هذه الأماكن. يجب أن نأخذ ذلك في عين الاعتبار في المرة القادمة التي تقوم فيها بتحليل هذه الفترات، لأن هذا ليس الرأي العام الذي يتبناه غالبية الناس الذين عاشوا هناك. نعم، الغالبية العظمى من الألمان الذين عاشوا بين عامي 1945 و1989، أي حوالي 57%، كانوا يعتقدون أن البلاد كانت أفضل مما هي عليه الآن. أكرر، 57% كانوا يرون أن البلاد كانت أفضل.
هذه ملاحظة مثيرة للاهتمام، خاصة بالنظر إلى الحجة المعتادة من المعارضين للاشتراكية: "فقط اسأل شخصًا عاش تحت نظام اشتراكي، سيخبرك بأنه كان فظيعًا." لكن الأمر يتجاوز مجرد الحنين إلى الماضي، حيث تم ملاحظة هذا في العديد من الدول الاشتراكية. فقد أكد 60% من الروس، و70% من الطاجيك، و63% من الرومانيين، و72% من المجريين، و62% من الأوكرانيين والبلغاريين، وحوالي 50% من الليتوانيين والسلوفاكيين أنهم يعتقدون أنهم كانوا أفضل حالًا في ظل الأنظمة الاشتراكية.
هذه الآراء تعكس نوعًا من التفكير الناجي، حيث يشعر الكثيرون أن حياتهم كانت أفضل في تلك الفترة. الشعور بأن الاشتراكية كانت أفضل من الوضع الحالي يعود إلى ما حدث بعد انهيار الاشتراكية في الشرق. فخلال السنوات الأولى بعد الوحدة، لم تكن الأمور مشرقة، فقد خسر خمس القوى العاملة في ألمانيا الشرقية وظائفهم، حيث أصبحت الربحية هي الهدف الرئيسي من الاقتصاد وتم التخلي عن أي جوانب خارجية تعتبر غير ضرورية. الناتج المحلي الإجمالي في الكتلة الشرقية بأكملها انخفض بنسبة 40% خلال السنوات الخمس الأولى.
تأثيرات مشابهة شوهدت في دول أخرى أيضًا، حيث ارتفعت معدلات الانتحار والقتل والسرقة والسطو بشكل كبير منذ السقوط. في العديد من الدول، لم تتحسن متوسطات العمر المتوقع لتصل إلى المستويات التي كانت عليها في فترة الحرب الباردة. تم إجراء تسهيلات واسعة في حقوق السلامة المهنية وحقوق العمل، بما في ذلك الإجازات المرضية وإجازات الأمومة ومزايا أخرى. أدى الفقر المتزايد إلى زيادة العمل في الجنس، حيث كان لدى الناس خيارات محدودة. في أوكرانيا، تأثرت الأوضاع بشكل خاص، حيث أثرت الصعوبات في الإنتاجية ومستويات المعيشة بشكل كبير، ولا زالت لم تستعد مستويات ما قبل عام 1990.
ومع ذلك، كان هناك جانب إيجابي من نوع ما في ألمانيا بعد السقوط، حيث انتقل العديد من العاملين في شرق ألمانيا إلى منطقة الراين بحثًا عن وظائف، وجلبوا معهم المعارف والخبرات التي اكتسبوها في ألمانيا الشرقية، مما ساعد الغرب على تبني رؤية أكثر شمولية لحقوق العمال، مثل المطالبة بالرعاية الجيدة للأطفال. لكن الجانب السلبي كان أن الشتات والاقتصاد المتردي تركا ألمانيا الشرقية في حالة من التردي والفقر والتدهور. في الوقت الحالي، تم ملء الفراغ الذي خلقه بجذب جماعات يمينية متطرفة بما في ذلك النازيين الجدد.
المشكلة التي نواجهها دائمًا عند مناقشة فترة الحرب الباردة هي الوقوع في فخ الاقتصادوية، أي النظر إلى الأداء الاقتصادي فقط ككل للأمور. في ألمانيا الشرقية، كان يسمح للعديد من العمال بالذهاب في عطلات رخيصة ومتوسطة التكاليف مع عائلاتهم، ولكن فقط داخل الدول الاشتراكية ومعظمها داخل ألمانيا الشرقية نفسها. اليوم، لا توجد قيود سفر على الألمان الشرقيين السابقين، ويمكنهم الانتقال والعيش في أي مكان يرغبون به. اليوم، لم تعد هذه الخيارات متاحة ببساطة. السوق يمنعهم من الاستمتاع بمستوى الرضا الذي كانوا يحصلون عليه في الأيام القديمة.
وربما يكون المثال الأكثر وضوحًا على مخاطر هذه العقلية الاقتصادية هو دراسة أجريت عام 2006، حيث صرح العديد من الألمان الشرقيين السابقين أن علاقاتهم وحياتهم تحسنت تحت ظل النظام الرأسمالي. قد يفهم هذا على أنه مكسب للنظام الرأسمالي، لكن إذا اكتشفت السبب وراء ذلك، فالأمر ليس بهذه الروعة. السبب الأكثر شيوعًا الذي ذكره هؤلاء الألمان الشرقيون السابقون هو أن النظام الرأسمالي منح الرجال دورًا أقوى في الحياة الاقتصادية، وبالتالي، من يتحكم في المال يتحكم في الأسرة. هؤلاء الرجال أشاروا إلى أنهم يشعرون بزيادة الهيمنة الاقتصادية تحت الرأسمالية، مما يجعل النساء أسهل في السيطرة. شيء ما في داخلي يقول إن هذا ليس سببًا جيدًا لتفضيل نظام معين لعلاقاتك.
هذا تذكير آخر بأنه عندما يقول الناس إنهم يفضلون نظامًا ما، فإن دوافعهم ليست دائمًا لمصلحة المجتمع بشكل عام. الرسالة العامة في وسائل الإعلام الموجهة للفقراء اليوم هي الهروب من الأحياء الفقيرة والذهاب إلى أماكن تشعرك بالتحسن. وفي الوقت نفسه، كلما غادر المزيد من الناس الحي، تدهور الحي نتيجة لذلك. لا يُقال للناس "ابقَ في بؤسك"، لكن بالمقابل، الهروب ليس هو الحل لمشاكل المجتمع. عندما نسأل لماذا كانت دولة ما فقيرة، فإن الأمر ليس مجرد مسألة مالية. العديد منا اليوم لديهم وصول واسع إلى مجموعة متنوعة من السلع الاستهلاكية، ومع ذلك، لسنا أسعد بكثير من ذلك. رأي شائع بين الناس من الدول السابقة التي كانت تحت النظام الشيوعي هو أنهم لم يشعروا بالراحة أكثر من تلك الأيام. إزالة التهديدات الوجودية والاطمئنان إلى أنك كنت تحت الرعاية، مهما كانت محدودة، هو شيء يرغب فيه الكثير منا اليوم ويستفيد منه بشكل كبير، ولا ينبغي الاستهانة بذلك.
يمكنك أيضًا التطرق إلى مواضيع أخرى في ألمانيا الشرقية، مثل الدولية الطبية وطبيعة الشرطة السرية، المكاسب الكبيرة التي تحققت للنساء، التعاونيات الزراعية، الفروقات في عملية إزالة النازية، والنقل، لكنني لن أتطرق إلى ذلك في هذه المقالة. فالغرض من المقالة ليس الترويج لألمانيا الشرقية، حيث كانت هناك تناقضات داخلية عديدة. كتبت هذه المقالة خصيصًا للرد على النقطة المتكررة التي تقول إن ألمانيا الشرقية كانت أفقر ببساطة بسبب الاشتراكية، وكما يتضح، كانت الأسباب الرئيسية لذلك تتعلق بالجغرافيا والمقارنات الاستثمارية الاقتصادية.